في مؤتمر حول “دولة العدالة وطن الإنسان”

                بعدما أطلقت مجموعة “لبنانيون من أجل الكيان” وثيقتها الوطنية بتاريخ .7 كانون  الأوّل 2021 التي أعلنت فيها التمسك بالمرتكزات التي قام  عليها لبنان وباتفاق الطائف والدستور الذي انبثق عنه، ها هي تضع مشروعها السياسي الذي أعلنت عنه الوثيقة أيضًا. ذلك أن الأزمة الراهنة تشكّل  حافزاأساسيا للتمسك بإرادة العيش معًا، وبعقد العزم على بلورة ما اتفق عليه عبر تطبيق ما يجب تطبيقه وتطوير ما يجب تطويره ليكون النظام السياسي أكثر ملاءمة لمتطلبات هذا العيش ولطموح اللبنانيين المقيمين والمنتشرين وأكثر قدرة على مواجهة التحدّيات والإستجابة للتقدّم الحضاري.

فالنظام السياسيّ ليس بنية جامدة، بل هو منفتح على الزمن وتطوره، إما للسقوط والإندثار وإما للانطلاق والتجدّد. ذلك مرهون بهمة من يقرأون علامات الأزمنة ويتفحصونها ويلتقطون رياح التغيير ونداءات الواقع. وتجدّده يحتاج إلى المزواجة بين الثابت والمتغيّر، أي بالعودة إلى المرتكزات واستلهامها والأخذ بالتحولات الإقليميّة  والدوليّة وانعكاساتها على الساحة اللبنانيّة بالإضافة إلى  الأزمات  السياسية الداخليّة التي كانت وراء الإنهيار الشامل  الذي يعاني منه لبنان.

لا تستطيع الدولة أن تبتعد عن سنة التطور وإلا فقدت حقيقتها كمجال تفاعل وعلى البنى السياسية أن تخدم الخير العام وخير جميع المواطنين.  من هذا المنطلق، وبما أن الحياة السياسيّة في لبنان  تعاني من أزمات متلاحقة، عائدة إلى التطبيق الإنتقائي لإتفاق الطائف الّذي أدّى إلى تشويهه، ولمّا كان هذا الإتفاق الذي أفضى إلى تعديلات دستورية نصّت على إصلاحات جوهريّة للنظام السياسي لم توضع موضع التنفيذ، بات من الضروري أن تتوجّه كل الفئات السياسيّة إلى الأخذ بتوجّهٍ إصلاحيّ ينقذ الكيان اللبنانيّ، ويفتح أفقًا لممارسة سياسيّة نوعيّة تجدّد النظم والقوانين، بعد مناقشتها والإتفاق على ما يؤمن منها المصلحة العليا للشعب اللبناني بكل فئاته وطوائفه، انطلاقًا من أنّ إتّفاق اللبنانيين على معالجة شؤونهم أكثر فائدة لهم من إيكال هذا الأمر لأيّ طرف خارجيّ في ظلّ احتدام صراع الأمم من حولنا في هذه المنطقة من العالم.

والحال أن استشراف المستقبل وارتقاب متغيّراته، من ضرورات الحياة في ظل عالم يتحوّل بوتيرة متسارعة،وفي ظل السياسات الدوليّة العابرة للحدود وللقارات، والتغيّرات المجتمعيّة الناجمة عن  وعي جيل الشباب الطامح إلى بناء دولة مدنيّة متطوّرة وعادلةاسوة بباقي دول العالم. فكيف لنا نحن اللبنانيين ألأّ يكون هاجسنا تطوير صيغة عيشنا، تلبية لمتطلبات السباب اللبناني وتأمينا لمستقبلهم وإدارة تعددنا إدارة حكيمة، تلبية لمتطلبات الشباب اللبناني وتأمينا لمستقبلهم  في وطن عزيز مقتدر بين الأوطان، غني بطاقات ابنائه.

لكل هذه الأسباب رأينا أن نعلن مشروعًا سياسيًّا نراه ضروريًّا لتطوير عيشنا معا نحن اللبنانيّين، ولمدّه بما يمكّنه من الإنطلاق في مئويّة جديدة بعد انتهاء المئويّة الأولى لدولة لبنان الكبير.

يقوم هذا المشروع السياسي على محاور خمسة هي الآتية:

1 – محور الإصلاحات الدستوريّة.

2 – محور اللامركزيّة الموسّعة.

3 – محور الحياد.

4 – محور مجلس الشيوخ.

5 – محور استكمال الدولة المدنيّة.

لماذا هذه المحاور دون غيرها؟

لأننا نعتبر أن الدستور اللبنانيّ يشكو من مفاصل تطبيقيّة  تمنعه من أن يكون حكمًا، وتفوت على اللبنانيين فرصة  المشاركة السياسيّة الفعّالة في إدارة شؤونهم، أن يطوّروا مفاهيم سياسيّة وطنيّة مشتركة ترسّخ تفاهمهم على القضايا الوطنيّة، وعلى العيش المشترك وتأمين الخير العام. وهذا ما يدفعنا إلى التمسك على أن ينص الدستور على اللامركزية الموسّعة، والحياد ومجلس الشيوخ وعلى القوانين التي تستكمل بناء الدولة المدنية التي تعزّز حقوق الفئات اللبنانيّة المختلفة، والتي تكون حاضنة لكل الطوائف.

تشكل هذه المحاور المداميك الأولى لأي تطوير سياسي يمكن أن تسير فيه الممارسة السياسية اللبنانيّة فيكون التجديد قابلا للحياة انطلاقا من الثوابت السياسيّة التي كرّسها توافق اللبنانيين، ومن السعي إلى تحقيق  طموحات اللبنانيين في بناء دولة حديثة، مبنية على احترام حقوق الإنسان، وعلى الحفاظ  على المميزات الثقافيّة والاجتماعيّة لكل فئات الشعب اللبناني، في إطار من العيش المشترك الّذي ارتضاه اللبنانيون منذ مئات السنين قبل نشوء دولة لبنان الكبير.