في ظل المراوحة الحالية لملف التفرغ في الجامعة اللبنانية، وبعد قرار الحكومة بزيادة التعويضات لموظفي القطاع العام، تحركت مواجع الأساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية. فرئيس الجامعة بسام بدران ووزير التربية عباس الحلبي (بصفته يمارس صلاحيات مجلس الجامعة المعطل بعدم تعيين عمداء أصيلين)، حرما المتعاقدين من بدلات الإنتاجية بالدولار، ولم يقدما على رفع أجر ساعتهم. هذا ما أدى إلى “فتنة” بين المتعاقدين وأساتذة الملاك، الذين يتلقون سبعة رواتب وبدل إنتاجية بقيمة 650 دولاراً من وزارة التربية ومساعدة من الحكومة لصندوق التعاضد بنحو 2600 مليار ليرة (تصرف بنحو ألف دولار شهرياً لكل أستاذ).
انتقادات للجنة الأساتذة
المتعاقدون باتوا فئة مسحوقة في الجامعة، لا سيما أن أجر ساعتهم أقل من أجر المتعاقد في التعليم الابتدائي. أما تفرغهم في الجامعة، فما زال رهن التجاذبات الحزبية، ما أفقدهم الثقة بسرعة إقرار الملف. وحيال هذه الظروف، لم يكن أمام “اللجنة الرسمية للأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية”، أي خيار غير الدعوة للتصويت على الإضراب. فالأساتذة بدأوا يتحركون بشكل فردي وجماعي، وسط انتقادات كبيرة وكثيرة لـ”اللجنة”، خوفاً من “تخاذلها مرة جديدة بعدم مواصلة الضغوط لتحصيل مطالبهم، كما حصل منذ سنتين. وحجة المنتقدين أن ممثلي الأساتذة في اللجنة ضمنوا أن أسماءهم مرفوعة في ملف التفرغ، ويستغلون الأساتذة لتسريع إقرار الملف. وعندما يقر لا يبقى للأساتذة من يطالب بحقوق رفع أجر الساعة وتأمين بدلات إنتاجية لهم، أسوة بزملائهم في الملاك.
ورغم هذه الانتقادات، ظهرت نتائج التصويت بنسبة 94 بالمئة مع الإضراب من أصل 685 متعاقداً صوتوا. وحول مدى الالتزام بالإضراب، يؤكد أحد أعضاء اللجنة وأساتذة متعاقدين من مختلف المناطق، ولا سيما في الفروع الأولى والخامسة للكليات، أن الإضراب نجح في مختلف المناطق، وسط التزام كبير من المتعاقدين. وقد اختلف تعامل المدراء والعمداء في مختلف الكليات مع المتعاقدين، بين من يتفهم مطالبهم وبين من أوصل لهم بعض التهديدات من مغبة مواصلة الإضراب.

إدارة الجامعة تتجاهل المتعاقدين
بعد إعلان اللجنة الإضراب مساء أمس الأحد، سارع المكتب الاعلامي في الجامعة اللبنانية، وأصدر بياناً، قال فيه: “تعقيبًا على البيانات الصادرة عن بعض مجموعات من الأساتذة المتعاقدين بالساعة في الجامعة اللبنانية والداعية إلى الاضراب.. وبما أنه لم يصدر أي بيان عن رابطة الأساتذة المتفرغين.. تعلن إدارة الجامعة اللبنانية أن يوم غد هو يوم تدريس طبيعي في كل كليات ومعاهد وفروع الجامعة اللبنانية”.
شعر أفراد “اللجنة” بالإهانة، فردوا ببيان أكدوا فيه الاستمرار بالإضراب. وقالت “اللجنة” إنها “تمثل جميع الأساتذة المتعاقدين وفق الأطر الديمقراطية. وجميع أعضائها من حملة الشهادات العليا. وبالتالي، فهي تستنكر نعتها ببعض مجموعات. كما تتمنى على القيِّمين في المكتب الإعلامي عدمَ زجِّ رئاسة الجامعة الموقَّرة، وإقحامها ببعض المصطلحات والمفردات التي لا تليق بلغة التخاطب بين الأساتذة الزملاء”.
لم تشعر “اللجنة” بالمهانة من أن إدارة الجامعة تجاهلت جميع المتعاقدين ومطالبهم واعتبرتهم أنهم غير موجودين ولا يؤثرون على عمل الجامعة. بل استوقفها عبارة “بعض المجموعات”. فانبرت “اللجنة” إلى الدفاع عن رئيس الجامعة من دون وجود أي إشارة في بيان المكتب الإعلامي أنه صادر عن الرئاسة. أغلب الظن أن القيمين على “اللجنة” يعلمون أن المكتب الإعلامي يديره أستاذ متقاعد من مستشاري رئيس الجامعة بسام بدران. وأتى البيان لتبرئة بدران من “زلة لسان” مستشاره.

صراع الكل مع الكل
من المعروف أن الجامعة تقوم في الوقت الحالي على المتعاقدين، الذين يشكلون أكثر من سبعين بالمئة من هيئتها التعليمية. لكن إدارة الجامعة تتجاهل المتعاقدين، كما بدا في البيان، انطلاقاً من مبدأ أن الأساتذة في الملاك غير معنيين بالتضامن مع زملائهم المتعاقدين. فهي تعتقد أن “المكتسبات” التي حصلوا عليها تدفعهم لعدم مجاراة المتعاقدين بالإضراب.
تسير الجامعة في الوقت الحالي على قاعدة “فرّق تسد” وصراع الكل مع الكل: أساتذة الملاك بمواجهة المتعاقدين، والأساتذة المتعاقدون بمواجهة بعضهم البعض (انقسامات حزبية ومناطقية وصراعات بين من يمثل المتعاقدين ومن لا يمثلهم)، والمدربون أو الموظفون في مواجهة الطرفين. وعليه، السؤال الذي يطرح هو هل ينجح الإضراب بشل عمل الجامعة، طالما أن أساتذة الملاك والمدربين وجزءاً لا بأس به من المتعاقدين، غير معنيين به؟ رغم الالتزام الكبير بالإضراب (لا تقديرات رسمية) يقول أساتذة من مختلف المناطق إن الجواب على هذا السؤال صعب في اليوم الأول للإضراب. فمن ناحية أساتذة الملاك، هم غير معنيين بالإضراب وكان حضورهم عادياً اليوم. ومن ناحية ثانية، جزء كبير من المتعاقدين بحالة شبه إضراب غير معلن منذ مدة، أي لا يحضرون إلا يوم واحد في الأسبوع (حصروا ساعاتهم في يوم واحد أو اثنين في الأسبوع). كما أن الفصل الدراسي الثاني لم يبدأ في كل الفروع والكليات، حيث تجرى الامتحانات. بمعنى آخر، معرفة مدى التزام المتعاقدين بالإضراب، وقدرتهم على شل عمل الجامعة لن يظهر قبل انقضاء هذا الأسبوع.

اعتصام ليس في مكانه
الإضراب سيمتد لأسبوع، وسيترافق مع اعتصام يوم غداً الثلاثاء أمام وزارة التربية، لمطالبة الوزير عباس الحلبي بتسريع رفع ملف التفرغ إلى مجلس الوزراء. اعتصام ليس في مكانه الصحيح، طالما أن الجهة التي تعطل الملف ليست وزارة التربية. بل على العكس، عمل الوزير عباس الحلبي على “فكفكة” العقد، واصطدم بجدار صلب تمثل برفض الثنائي الشيعي تطبيق معايير الأقدمية عليه، بشكل يؤمن التوازن بين الطوائف. وقد أخذ هذا الاعتصام نقاشاً كبيراً بين صفوف المتعاقدين، واختلفوا على الإقدام عليه أو الإحجام عنه.

سبق وطالبت رابطة الأساتذة المتفرغين وزير التربية برفع أجر الساعة وإعطاء بدلات إنتاجية للمتعاقدين، كما طالب المتعاقدون ولجنتهم مراراً. والمرجح، ووفق ما تؤكد مصادر مطلعة، أن يسارع وزير التربية إلى بت موضوع بدلات الإنتاجية، التي ستكون بنحو عشرة دولارات عن كل ساعة للمتعاقدين. هذا فضلاً عن وجود مشاورات مع رئيس الجامعة لرفع أجر الساعة بنحو ضعف واحد، لتصبح بحدها الأقصى نحو 600 ألف ليرة. فملف التفرغ متوقف في الوقت الحالي، وبات من الصعب إسكات المتعاقدين بوعد إقراره. فهل يحصل المتعاقدون على هذه الحقوق البسيطة؟

المصدر: المدن